حديث المستعصي باللّذة

همس لديوان “رعاة الريح” للشاعر التونسي مراد العمدوني

 

 

ولأننا هزمنا في كبريائنا حتى الدم،،، والمؤخرات تزاحم الرؤوس،،،

وهذه المدن باردة،،، وهذا الوطن في حالة عماء مزمنة ،،، طالما لا يرانا،،، وهذه الأصوات تختنق،،، نحاول الاحتماء بالثقافة وهدير العصور،،،

نيتشه،،، هايدغار،،، فوكو،،، ديريدا،،،،،، وماركس آخر أنبياء اليهود الممخرقين حتى الإلحاد،،، وأروعهم على الإطلاق،،،

وهذه الأجساد مزروعة كمادة استهلاك// اشتعال// انتفجار// في شوارع المدن العربية الميتة،،، مكرورة إلى الانقطاع عن الحياة،،، على اعتلاء الأبدية ودوام الخلد،،،والتبوّل على ما تبقّى من العمر،،، وهذا الخلاء من السخط إلى القحط مسمّم بأبجدية الحرق والصلب والقطع،،،

ولأننا مدجّجون بِيُتمِنا… البقاء/ حسن البقاء/ ذل البقاء،،، إلى قارعة الوجود،،، دون حامل،،، دون سند،،، دون جدار،،، دون جوهر ولا ماهية،،،

 Exi//stance<–Sub//stance 

مُلقى بنا،،، وترمّل الحياة،،، وفراغ الممكنات،،،

ألم تسمعوا بعد أنّ الموت قد مات؟؟؟

انتهينا إلى عُسر ولادة ميتة،،،

و المكان جَبَّانَةَ لتراب الجثث ورسوم الوطن ومستنقعات الأحلام،،، وهذا العمر وَحْلَةٌ تعاند صخرة الصمت والقهر وبؤس الرحيل،،،

نتدحرج في اللّغة حتى الانشاد وهذا “هو  العرس الذي لا ينتهي…”

كثافة مذهلة للإشارة أسرع من اللحاق بها، كان العجز، و كان النفط، و كان السُّخط، و كان الموت “المقدّس” و المبدأ المدنّس،،، وهذا العربيّ يتطارد و الموت،،، إلى الأمام،،، إلى الوراء،،، إلى اليمين،،، إلى اليسار،،، الموت الجبان،،، الموت أجبن منّا،،، و هذا الموت محفل، وهذا المحفل مقدّس، و هذا الحجر مقدّس، وهذا المكان مقدّس،،،

حديث متوهّج بوجع الفقد،،، يعلو الفقد،،، يعلو،،، متن زاخر يتخطّى الإفصاح ليتنزّل في صميم الخطاب الشعريّ العربيّ المعاصر للوجع، و يسكن منزلة للوجود بلون همّه المطبوع عربيّا، يُلقي بكلّ ماهو زخرف لفظي أو ظاهرة حماسية عابرة، لينزاح و يصنع حدثا آخر – الإنسان وجهه واللغّة – جزء من الحقيقة تندرج ضمنها المعاناة مقياسا محدِّدا لماهو شعريّ دون انتفاء للجماليات الأسلوبية.

فتعيّن وجع الخيانة( المتخاونون) ومحنة الوجد وحصار التوابيت و الحاح الجماهير الشعبية جدّا ،،،ودمنا في القبيلة المتقاتلة و موائد الذبح ووقع الأكفان وضجيج السادة ورتبة العدد في الخرائط،،، الموائد،،، الطرق،،، وانهمار ما تبقّى من ماء دجلة حتى سِباخ المحيط.

وهنا ترتفع “رعاة الريح” لمراد العمدوني  كعمل// خطاب عن هامشيات الهموم الفردية بالمفهوم الهايدغاري للكلمة ويتجاوز هذا النص بكائيات الحب وولائم الأجساد الأنثويّة الممزّقة إلى أشلاء… من فم… خدّ… نهد… زند… سقط… كولائم للحبّ اللّغويّ و الرّكاكة العاطفية على الطريقة العربية الفصحى، لينحو هذا النص الشعريّ إلى مرتبة أخرى في الوجود وهو التوغّل المتواصل في العالم// الحياة دون أن ينجرف إلى المألوف أو يضيع في المغلق المثالي ويفقد ذاته المتفرّدة، وهنا أَجِدُنِي أنفتح على هايدغار واقترابه من هولدرلين أللاحق ابداعا شعريّا في صميم الوجود الإنساني “الدازاين” و أنسف الحدود الوهميّة بيني و بين القصيد،،، مطرقة لمذاهب التشيئ و “النصّانية” و اصرارا على البقاء من رماد الحياة،،،

وإن كانت لغة الشاعر أين يوجد، يسكن دون شريك يقاسمه هذا المسكن و أطراف قصيده “أتفخّخ” بينهما حتى لا يعود لي وجه كما يقول فوكو أبعثر “مَلَلُ الله بعد اليوم السّابع من الخلق” أستدعي جدلا للذوق و التذوّق لحياة الكلام،،، واستعصت اللّذة، و أنا أحدّق في جحيم انفجاراتنا وأشلائنا وأسمائنا المكرورة، المجرورة إلى حتف يقينها… هادئة… أبدية أفضل… هادئة… وطن أجمل… هادئة… عن ارباك نصوص لذّة الموت باعتبار الحياة خدعة،،،

“هادئة… هادئة… هادئة…” تتكرّر الكلمة… وقع  يسابق النبض وأنصت إلى حوار عقل الباطن… أستحضر شفرة القصيد في مفرداته وركام المحتجب… الموت… الفقد… العدم… يتوهّج النص في ذروة انهمار// فضح عجز الفعل عن إقامة علاقة شغف مع الحياة… قشعريرة البهتة… نشيد الموت والحياة…

نرتكب القسوة و الفهم،،، نتدحرج آخر الحلم،،، والعالم مرحاض قديم،،،

نرتكب المعنى/ عنّا/ يظلّ العالم منزويا… متفرّجا… متمشهدا و بعيدا و في مكان قصّي

 في الفكرة تبدأ الوقائع ترتكب السخرية،،،

قلقامش،،،

اعوذ بك من قتامة الكلام و الملامح المتعبة،،، طال حزنك،،،

لأنّ أكثر من سقراط قديم و مُحدث لازال مُمعنا في تدريب القطيع، المتجانس، المطواع، المتداعي من فرط الوهن و العجز عن احتمال الحياة،،،

انتصر الخمر والحشيش ودعوات الانتحار و الوعد الوعيد،،، وبدأ العجز في كلّ شئ،،، انتصرت البلاهة و التفاهة والفرجة والابتذال وانحدرنا في بكائياتنا،،، شتائمنا،،، مهرجاناتنا للأقنعة،،، للتسوية،،، للمزبلة،،،

و المكان قبر… نحن المسجّى… و من السبب؟؟

مدد النص يتواتر، إرادة للمعنى وقانون إحالة، كل كلمة تحيل إلى أخرى، ودوائر “بارت” ولذّ خاصة تطلب و لا تُدرك، وقد تقوّضت الذات،،، العقل،،، الإنسان القابل للانفجار في أيّة لحظة،،، لا معنى موثوق فيه،،، لا شئ مقدّس غير الموت،،، لا شئ غير التعدّد… التشتّت… الاختلاف… الهدم… التفكيك… و اللعب بالمدلولات و الدوال اللانهائية وحضور في غياب  غياب في الحضور،،، لا إله،،، لا إنسان،،، لا نص،،، لا مؤلّف،،، قارئ شريد يقوم بدور القابلة في توليد المعاني هناك… و دور المحقّق في الاستنطاق و التأويل و القياس و الحكم و الأحكام، هنا ،،، لمدن فاضلة،،، متفاضلة في الفوضى و العدم،،، نرعى الريح،،،

إنّ تآمر الإنسان على ذاته،،، وجوده،،، مع سابقية الاضمار والتلذّذ، تُطلّ من هفوات المؤامرة حيلة للبهجة…للسعادة … فتنة النص الشعري و جمال هذا النص احداها كمواجهة لتحدّيات ثقافية و لون للابداع الراقي يطفح

ما يقابله تراجع في عملية الخلق الأدبي و الفني، هناك، لأسباب حضارية مختلفة،،،

فيصير الفعل الشعريّ المتميّز نقطة قوة ثقافية ترفع عنّا ذلّ الاقتداء،،،

يتّسع العمر،،،،،، يرتبك المسدّس

عن فاطمة الطرابلسي

كاتبة و مفكرة تونسية مؤسّسة موقع فاتاليس-ماغ

شاهد أيضاً

دعوة الى احياء نارك

إنّ كتابة النص قد ترغم الكاتب في كثير من الاحيان على التعرّي تماما امام اللغة …