جزيرة اللوتوس

جربة ،،،

جربة مدينة تفرض عليك أن تصغي اليها و أنت تتأمّل معمارها الطبيعي المتفرّد و الفريد ، و أنت تهيم  في حكمة صمتها الى عمق وضوح الاضداد الجمالية المبهرة في تزاحم النخيل //البحر،،،

جربة،،،

جربة مدينة تحملك // تحمل عنك ثقل أيامك // أوجاعك// أحلامك  و تأخذك بعيدا عن شوارع الاسمنت المسلّح و برودة الاسفلت، و أكوام المتسوّلين و الكسالي ،،، مدينة تشتغل في صمت و ارادة و صبر ،،، بعيدة عن ضجيج محافل الخطابات و الحشد السياسي العفن و مزابل الشعارات الميّتة،،،

جربة،،،

جربة مدينة شهية كالمستحيل،،، كنوستالوجيا،،، كامكان يتجاوز مدار الذكريات و الاحلام،،،

اللوتوس ،،،

مدينة لا تحتاج الى التعريف بنفسها،،،مدينة ذاهلة في حدود الزمان عن حدود الجمال،،، الاحساس الحقيقي بالحياة،،،

اللوتوس،،،

مدينة تتأبّط كل لغات العالم،،، كل اجناس البشر على جميع اختلافاتهم العرقية و الاثنية،،، مدينة الحب بلا منازع،،،

و أنت تتجول وسط غابات جربة و على شطآنها و في أسواقها و شوارعها لا ينتابك الشعور بضآلة حجمك ذلك الشعور الذي يغزوك و أنت تعبر أمام شاهقات الاسمنت و البلّور والآجر المنتشرة في أغلب مدن العالم …ففي جربة الحلوة تتمتع بهامش كبير وواسع من الوله الذاتي //الانساني بامتياز و أنت تتواصل أفقيا مع معمارها الأفقي البسيط الناصع في بياضه // ولادة أبدية للجمال تعانق الخلود،،،

جربة الحلوة ،،،

جربة الحلوة ،،،مدينة تربك الزمن //مدينة تربك النسيان // مدينة تنبّهك //تشدّك الى أطراف أخرى للوجود لم تنتبه اليها من قبل ،،، مدينة تستدرجك الى الحقائق البسيطة المتصلة بالحب و الجمال،،،

جربة الجميلة ،،،

جربة مدينة تختزل كل اسمنت المدن في قبّة من قباب منازلها و أحواشها ،،،بياض عمارها و رزقة بحرها و صفاءه و “ظلاّلة” نسائها و رجالها يلبسها الجربي و الجربية مهما كان دينه و انتماؤه و مستواه العلمي و الطبقي…في هذه المدينة الاستثنائية لا تكاد تفرّق بين انتماءات سكانها و انت تتجول داخل اسواقها أو انت تواكب احدى أعراسها ” المحفل الجربي” و شهرته العالمية و طبّالها المتميّز … انتمائهم  لجربة وحدها // لذاكرتهم… أتلف جغرافيا الغزو و ملل التاريخ و كل المدن الاخرى المتفاضلة في هوامش اسمنتها و ضجيجها،،،

جربة ،،،

جربة مدينة تروّض فيك وحش التوتر // وحش القلق // وحش الكآبة ،،، لتستأنس بوحدتك // دفئ صمتك…

مدينة تضجّ بالحياة …بالحب و الرغبة ،،،

متاحف جربة و ابراجها يجعلك تستشعر الدفاع عن الضائع و المنسي و الاحتفاء بالآتي،،،

مساجدها الاسلامية العديدة و كنيسها اليهودي “الغريبة” قبلة يهود العالم متحاورة // متجاورة في تسامح حقيقي تجعلك تنسى و لو لبعض الوقت أنك في كوكب الارض …كوكب الحروب الدائمة و الازلية،،،

كل مدن العالم تباع أراضيها بالمتر المربّع الا جربة يجب أن تباع اراضيها بحفنة التراب….هكذا حدثني صديق جربي ذات يوم و هو يتألم لما تعانيه مدينته و أهلها فالماء الصالح للشراب المنعدم دوما و انتشار المزابل في مدينة عالمية بحجم جمال جربة الفريد و المتفرّد في زمان الحكومات الديمقراطية المتعاقبة منذ نكبة تونس  2011

عن فاطمة الطرابلسي

كاتبة و مفكرة تونسية مؤسّسة موقع فاتاليس-ماغ

شاهد أيضاً

عابرة في بقائي

عالقة بين لحمي و جلدي …. تمتدّ يد المفتّش في دمي… غير غضب و رماد …