باب البحر

الأزرق الكبير

111

الكورنيش

2222

مائة متر هكذا نسمّيه

33333

احتمال// انتساب اليك…

طفولة…عشق…و ذكريات…

باب البحر…يا مكانا…أحنّ اليه أبدا،،،

التراب بطعم الطفولة و رائحة الأم،،،

صافحت الجدران و فتحت شبابيك الذاكرة ، و صببت جام شوقي بالتساوي…بين البشرو الحجر،،،

اختلطت رائحة الأجسام و العرق بهوائها الملوّث بجرح اقتصادي قديم،،، كمين تاريخي…سرّطن العديد من أحبّائي،،،

أهلا  باب البحر،،،عالسّلامة باب البحر،،،

رذاذ المطر على الإسفلت الرخامي الحديث البناء يمسح معالم أيام نحتت العمر الباقي،،،

تدفّق الرخام و البلّور على الأرصفة و واجهات الدكاكين،،، و شغف الرفاهة الباريسية و الإيطالية و المتشبهة بها من الرفاهة التايوانية و الصينية و التركية،،، أكواما من السلع الراكدة و البشر العاطلة،،،

اتخذت شارع…ما يسّمى ب” 100متر”…جيئة و ذهابا أدغدغ الارض و الذكريات و ظلال أصدقاء و زملاء دراسة و رفاق….و شعارات عن الحرية …عن العدالة و البروليتاريا…عن التحرر و الوحدة،،،

ما زلت أستمع لوقع الأقدام هنا في هذا المكان…و هتافات للأرض…للوطن…للانسان…

اشتدّت سواعد البناءات الطاغية في ارتفاعها و تراكمها حتى غابت وجوه الطرق الصديقة…و الجدران الصديقة المفتوحة دوما على اليد…لم يبق غير سير جاهل للوقت يتلف الوجوه و بصمات الأصابع…

انزويت الى مقهى كنت أدمن طقوس الجدل و الجدال فيه مع بعض الأصدقاء و الزملاء…تصفّحت أركانه و طاولاته…أبحث عنهم…قد ألاقيهم لأضمهم…و قد لا ألاقيهم…لأرثيهم…

استردت خطاي من التيه…بعثرتني الطرق الزجاجية و النوافذ المغلقة على الأرض تماما،،،

سلطة الحلم تحللت و أنا أبحث عمّا يسمح باقامة ما هوى من الشوق…و العشق…و الشبق…لشوارع و أنهج كانت أوسع من خطاي و من رحيلي،،،

لقد تجرّدت الأزقة من ألوانها و خطوطها…تجرّدت من تاريخها…أكوام البلور يحاصر الرؤيا و يخضع حريتك الخاصة للاستهلاك و الفرجة،،،

سلام عليك منزل أمي…سلام عليك حائط العمر،،،

اتجهت صوب البلكونة…اشتهيت أن آخذ طاولتي القديمة أبعثر عليها قلبي و أوراقي و ذكرياتي…و رغم برودة الطقس الشديدة إلا أن اصراري كان كبيرا في أن أطلّ على البحر…”شط القراقنة ” أو الكورنيش حديثا…كما كنت أفعل ذلك سابقا…غير أن هذه الترسانة من البلور الأزق الداكن أو كما يسمى “بالأزرق الكبير ” يهزأ بذكرياتي و عينايّ و يمنع عنّي الرؤيا و…يمنع عني حضور ملحمة البحر الأزلية و عناقه الأسطوري للرياح حتى أنني أكاد أسمع لهاث الماء…

تدحرجت في غضبي و قاع سؤالي…لماذا؟…لم؟…كيف؟…

و سال السؤال على ضفاف الصمت جرحا يعبره المال و الأعمال و برد المآل…

” يا اسكندرية بحرك عجايب…يا اسكندرية…يا ريت ينوبني في الحب نايب…يا اسكندرية……”

يأتيني الصوت من شريط بجانبي…أغنية الشيخ امام المحببة لي دوما…و هي تنخر في النبض الحميم فأردد في صمتي ووجعي….” يا صفاقس….كان بحرك عجايب…

مدينة أليفة في وحشيتها أنتمي اليها بإطلاق…لقد عرّس حبها على ذاكرتي فأنجب كائنا نصفه ألم و نصفه الآخر أمل،،،

الظلام يداهم الأفق…و السماء تتخذ السواد المرصع بأمنيات ضوئية قد تصل و قد تتلاشى في الفضاء…

“مكتبة آفاق”…لم أر لافتها تضيء بعد….

– قالت لي ” أصبحت محلا تجاريا للثياب المستوردة….

ياااااااااه…مكتبة أصدقائي السربونيين…و أساتذتي….و الكتب الحديثة الاصدار خصوصا من فرنسا….

كان شعاع اسمها كافيا ليحيلني كل مساء و أنا في الشرفة أتابع وقت غلقها ليلا…على جيل حاولت فهم محاولاته في التحديث و الرؤيا و اقتربت من مساهماته المعرفية …فالاحترام و التقدير و الحب ربطني بهذا الجيل…ربما لأنني لست بارمينيدية الاصل و لا أخاف اختلاط الأزمنة…جعلني أتجرّع غربة القطيعات و مباغتة المراحل،،،

غزاني صحو الليل فيّ….و أنا أتابع ما تبقى من صمت المكان و الشوارع…و هذه البناية القديمة الصامدة في اسمنتها الفرنسي القديم ترتّل حكمة بقائها عن السقوط،،،

أيعقل يا صفاقس؟؟

لك في القلب مكان…

و ليس لذكرياتي  فيك أمان؟؟؟

فيا هذه الأرض التي عليها يتوهج الزيتون…كل شيء الى زوال “،،،

و قبل أن يستفيق النائمون على وجع الذكرى…حملت ما تيسّر من أيامي على كتفي…و انتعلت آلة سريعة الخطى….حيث لا ذكريات….و لا شوارع تكسّرني…أسند عمري من جديد الى ضجيج الأحلام و الأوهام حتى لا تضطهدني الغربة و الهذيان،،،

أقبلك باب البحر على جبهة الحلم…و شفاه العودة في حضن ” سيفاكس”…

عن فاطمة الطرابلسي

كاتبة و مفكرة تونسية مؤسّسة موقع فاتاليس-ماغ

شاهد أيضاً

جزيرة الحب والتيه

جربة،،، جزيرة الحب والتيه كما يحلو لي تسميتها، تتلألأ، تلمع، تبرق،،، استقبلتني يوما،، بضيائها الجميل،، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − ثلاثة =