أن تشهد العديد من البلدان العربية كتونس و المغرب و غيرها من البلدان الاهتمام بتقنيات “الروبوتيك” معنى ذلك أن البلد تجتهد بكل الوسائل المادية و المعنوية المتاحة للّحاق بركب التطور العلمي و التكنولوجي تحديدا، و يكون هذا الاجتهاد في كثيرمن الاحيان ان لم يكن جلّه عملا شبابيا …طلبة و تلاميذ … يساهمون بدور كبير و فعّال في صناعة المشهد التكنولوجي في البلدان النامية التي مازالت تستورد أبسط ضروريات الحياة كالغذاء و الدواء، غير أن كابوس التخلّف الذي يخيّم على صدور الشعوب العربية و الافريقية تخلّف بكل تمظهراته الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و العلمية، و لم يثن هذا العجر من عزيمة بعض الشباب في هذه الدول التي تعيش اوضاعا صعبة خاصة بعد ما يعرف بالربيع العربي و هنا اذكر بالتحديد الشباب التونسي و يكوّن طلبة ” المعهد الوطني للعلوم التطبيقية و التكنولوجيا” في تونس نموذجا للاجتهاد و العمل و المثابرة لتأثيث المشهد التكنولوجي في اطار “اليوم الوطني للروبوتيك” حيث يفتح المعهد ابوابه في ثالث يوم احد من شهر أفريل كل سنة لكل الطاقات الابداعية في مجال صناعة “الروبو” طاقات من الشباب و حتى الاطفال يأتون من كل جهات الجمهورية التونسية للمشاركة في هذه التظاهرة الوطنية و المسابقة العلمية من خلال صناعة “روبو” يقدّم اضافة جديدة للخدمات الممكنة التي يقدّمها ” الروبو” لمساعدة الانسان على انجاز بعض مهامه أو تجاوز بعض اعاقاته ك”روبو” لمساعدة فاقدي البصر، و هو عبارة على حزام يرتديه الكفيف لتحسس الحواجزالتي تعترضه عند المشي و قد انجز هذا “الربو” بالمعهد الوطني للعلوم التطبيقية و التكنولوجيا بتونس كما انجز طلبةهذا المعهد “روبو” يساعد الذين فقدوا أياديهم على الاكل و هو يسمّى ب”الوكّال”…و العديد من “الروبوتات” الاخرى ك”روبو” النادل في مقهى أو مطعم…
و قد لا حظت أن العديد من هذه الالات “الروبو” كانت عبارة على مجموعة من الاسلاك المتشابكة مبرّمجة لا يكسيها غلاف و ذلك لعجر الطلبة او التلاميذ ماديا خاصة على توفير التكاليف الكبيرة لهذا الانجاز بصفة فردية و للتذكير فان كل ما صنعه الطلبة او التلاميذ كان على نفقتهم الخاصة، ففي السنة الفارطة مثلا شاهدت دبّابّة كاملة الصنع و مجهّزة بكاميرا و شارك بها طالبا من نابل و قد تكلّف هذا ” الروبو” اكثر من خمسة آلاف دينار و تكفّل بها الطالب الباحث فان حضور “الربو” ذو الفائدة المدنية و حتى العسكرية ايضا عبّر عن حاجات انسانية فردية و حاجات وطنية سواء للحاضر و المستقبل الانساني و الوطني ، و كان غياب الاطار العلمي المؤطر من الاساتذة و الدكاترة و اصحاب الاختصاص في هذا الميدان ثغرة واضحة المعالم لا يمكن تجاوزها لتأطير الشباب المجتهد و المثابر و كأن الامر لا يعنيهم و قد سجّل أغلبهم حتى لا اقول جلّهم حضورهم بالغياب و اللامبالات و كأنهم يدفعون في صمت المبادرات الشبابية الفردية للهروب الى الضفّة الاخرى، الضفّة الشمالية حيث العالم المتقدّم ،و حيث التشجيع على البحوث العلمية في شتى المجالات و التكنولوجية واحدة منها و حيث حرية البحث و الربح المادي الذي يكلل مجهوداتهم الجسدية و الذهنية، …و كم كان من المؤسف و انت تعاين ركض الطلبة في اتجاه العديد من المؤسسات العامة و الخاصة للبحث عن المساند المادي الذي يؤازر بحوثهم و اختراعاتهم و يساعدهم على القيام بهذه التظاهرات العلمية الوطنية المهمّة و المضيفة اضافة نوعية لتطوّر البلاد و سمعتها الثقافية على الصعيد العالمي،فالدورالطلائعي للشباب العلمي في صناعة مستقبل مزدهر و متقدم يجعلنا نتجاوز واقع الغبن و التخلف الذي نعيشه و ينسينا ماضينا المكتضّ بالهزائم و خيبات التبعية و الاستعمار. و قد اكدت الوقائع عبر التاريخ الانساني الطويل أن العلم يأخذ المكانة الاولية و الصدارة في صناعة الحضارات الكبرى و العظيمة و المتقدمة و اليكم نماذج الدول المتقدمة علميا و تكنولوجيا من اروبا و أمريكا و اليابان و الصين…و كيف تتحكم هذه البلدان ذات القوة التكنولوجية الهائلة في مصائر و حياة الشعوب المتخلفة و كيف تقودها قيادة الخرفان الى الهاوية و حتى ان كانت هذه البلدان المتخلفة من البلدان الغنية بالثروات الطبيعية كالبترول و الغاز و الفسفاط و غيرها لم تشفع لها ثرواتها لتكون من البلدان المتقدمة و المتحضرة و العديد من البلدان العربية النفطية خير مثال على التبعية فتخلّفها العلمي جعل منها طابورا من طوابير البلدان التابعة رغم تكوّم البذخ المعماري الياباني و الكوري و الصيني و الفرنسي و الالماني فوق اراضيها ليصبغ على هذه البلدان طابعا حضاريا متميزا بالرفاهة و البذخ و الترف و مفتقرا للخصوصية و مفتقرا للتاريخ و مفتقرا للتميز فالمال وحده لا يصنع الحضارات و لا يمكن للشعوب ان تتقدم بالمال وحده …و عندكم في الطرف الاخر النموذج الياباني المعجزة الذي خرج باليابان كالعنقاء من تحت رماد هيروشيما و ناكازاكي و كان التطلع الى بناء مستقبل مزدهر و متطور لليابان بالاشتراك بين المواطن الياباني البسيط و العالم الباحث و المخترع و صاحب المصنع و الشركات و الحاكم اشتراكا عظيما في حب الوطن اليابان و مستقبل اليابان لتكون اليوم في مصاف البلدان القوية و المتصدرة للعالم المتحضرو المتقدم على جميع الاصعدة…و هذا ما لا نجده في بلداننا العربية من تعاون و تكاتف بين المواطن و الباحث و صاحب راسمال و العامل و الحاكم لصناعة مستقبل افضل لاوطاننا بقدر ما نجد نهش و خراب و تدمير في جسد الوطن اضافة الى اللامبالات و عدم الدفع بالشباب لصناعة مستقبل افضل للوطن عبر احاطتهم ماديا و معنويا و تحميلهم المسؤوليات التاريخية للانتقال بالبلاد من وضعية التابع و المتسوّل الى وضعية السيد و الندّ الكفئ و الحضاري لبقية الشعوب المتقدمة و المنتجة و الفاعلة في التاريخ و المؤثرة في الجغرافيا و الشباب قادر و قادر على ذلك…الا ان الشركات و البنوك و المؤسسات الخاصة و العامة في بلادنا مازالت تستهين بالطاقات الشبابية الواعدة و الفاعلة و الصانعة ووحدها سيدة المستقبل و القليل من هذه المؤسسات تعي دور الشباب الريادي و المستقبلي اما البقية الباقية فتكتفي بتشجيع ودعم أغاني”شدّ الحيط لا يطيح” و افلام “دخل من الباب و خرج من الشباك” و مسابقات “من يصرخ اكثر و يقول آه يا عيوني…” و لا حديث عن دور الدولة لان الدولة في المنطقة العربية استقالت منذ قيامها و لا دور لها في مجال البحث العلمي…
ان الدول و المؤسسات الخاصة و العامة التي لا تعطي قيمة للبحث العلمي و لا تشجّع عليه و لا تضع ميزانية خاصة لهده البحوث هي دول انتهت صلوحيتها التاريخية
ان المؤسسات التي لا ترعى البحوث العلمية و التي لا تدعم الباحثين و العلماء هي مؤسسات تتهيأ للمنفى….عندما يعمّ الظلام و الجهل و التسوّل و التغوّث و تستفحل التبعية سوف يعمّ الارهاب و الخراب فالارهاب يعشش حيث الجهل و التخلّف و لا يعشش في البلدان المتقدمة حينها سوف يهرب اصحاب رؤوس الاموال الى المنافي و يتركون قصورهم و مسابحهم الخاصة و كل معالم البذخ و الرفاهية الخاصة بهم الى المنافي …
اذا لا يترك شيوخ الهزائم و الانكسارات و الخيبات واجهات القيادة لفائدة الشباب الواعد بالطاقات و الحيوية و حب الوطن ليأخذوا فرصتهم التاريخية و المشروعة في صناعة مستقبل الوطن //مستقبلهم سوف يهرب العديد من شبابنا المتعلم باسم ما يعرف بهجرة الادمغة و تصبح البلاد صحراء يعوّق فيها البوم….فالشيوخ جرّبناهم و لا فائدة من تكرار المصائب فلقد حان الوقت لاخذ اماكنهم بكل احترام و تقدير و امان ليرتاحوا في الصفوف الخلفية يراقبون و يحمون ابناءهم و احفادهم احتراما لانفسهم و للتاريخ و للوطن….
و للشباب الواعد و المثابر و المجتهد الا ان يعمل و يعمل و يعمل رغم العراقيل و الصعوبات و ان يصنعوا المستقبل الافضل لهم و لابناءهم القادمين و للوطن كما صنع شباب اليابان مستقبل اليابان و كما صنع شباب المانيا مستقبل المانيا و كما بنى شباب كوريا مستقبل كوريا و كما بنى كل شباب العالم المتقدم مستقبل اوطانهم و للشباب التونسي بالتحديد القدرة الكافية لصناعة مستقبل افضل لتونس الخضراء و العقل التونسي ثروة عظيمة لا يستهان بها و يشهد بقدرتها كل العالم….
دافعوا عن عقولكم كما لو كنتم تدافعون عن حصون مدينتكم…