احتضنت تونس أيام 11 و 12 و 13 و 14 جوان 2019 المنتدى العالمي للحقوق الرقمية و الحريات “رايتسكون” و كان ذلك لأول مرة في تونس و الشرق الأوسط و شمال افريقيا بحضور عدد كبير من الحقوقيين و الإعلاميين و المدوّنين و خبراء الامن المعلوماتي و مهندسين و أصحاب مؤسسات عالمية و سياسيين من كل انحاء العالم
و قد تناولت العديد من الورشات و حلقات النقاش و البحوث التعرّض للتطوّر التدريجي لحقوق الانسان الرقمية و الدولية في قرن اتضحت معالمه انه عصر الرقمنة و التأسيس للرقمنة و التشريع لها في كل المجالات الحياتية من سياسة و اقتصاد و صحة و تعليم و غيره من الخصوصيات الذاتية و الفردية واخضاعها للرقمنة و بالتالي للمراقبة فكان مجال حماية البيانات الشخصية في عالم مفتوح على كلّو واندرج تأسيس منظمة “رايتسكون” منذ عشر سنوات تقريبا في اطار التعاون و التفاعل بين قادة مجتمع التكنولوجيا و الرقميات و بين منظمات المجتمع المدني للعمل على حماية الحريات الفردية و المعطيات الخصوصية من الاستهداف بالمراقبة او العقاب او بالتشويه و ذلك من اجل عالم أفضل أكثر إنسانية و أكثر احترام للحرية و أكثر احترام للذات الإنسانية في شتّى ابعادها الخاصة والعامة على أسس مبادئ حقوق الانسان بكل تمظهراتها المادية و المعنوية.
و يندرج قانون حماية المعطيات الشخصية في باب قانون حماية الحرّيات الخاصة و حرية الرأي و التعبير و قد عبّر العديد من المدوّنين الروس و الصنيين في هذا الملتقى عن الاخطار التي تتهددهم بسبب آرائهم و مواقفهم من غلق مواقع الفيسبوك و توتير و غيره من المواقع الافتراضية في بلدانهم و مراقبتهم و تجميع معلومات عن مدونين قد يهدد حياتهم و بعد ان أصبحت حرية الرأي و التعبيرو انتشار الثورات من اجل الديمقراطية في العديد من بلدان العالم من اروبا الشرقية في تسعينات القرن الماضي خصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي و حلف وارسو و نشوء الديمقراطيات في في هذه البلدان و في الشرق الأوسط و شمال افريقيا مع بداية الالفية الجديدة بعد سقوط الأنظمة الفردية و العديد من الديكتاتوريات المدنية كما حدث في العراق و اليمن و مصر و تونس و ليبيا…و بدون المسّ من الديكتاتوريات التيولوجية المطلقة بهذه المناطق وضعت حدّا للقيود التي كانت مفروضة على حرية الفرد أو الجماعة “الشعوب” في التعبير عن آرائها بكل حرية و خصوصا بدون عقاب.
و قد كان ظهور المدوّنون مع ظهور شبكة الانترنيت و المواقع الافتراضية التواصلية المجانية كفيسبوك و توتير و غيرهم من المواقع الافتراضية الدور الكبير الفعّال في صياغة وجه جديد لبلدانهم مخالف و مغايرلما اعتادوه منذ سنوات طويلة و اضطلاعهم بمهام المشاركة في اسقاط الديكتاتوريات ببلدانهم الى جانب المنظمات الحقوقية و الجمعيات المدنية فأصبح المواطن في هذه البلدان بعد شحّ معلوماتي يعيش التخمة الإعلامية فيها الكثير من الأكاذيب و الشائعات و الصور المفبركة و الشو الاستعراضي التي لا يمكنه تجاوزها أو اقصاؤها أو ايقافها لانها تندرج تحت طائلة حرية التعبير و النشر
اذا فكيف يمكننا التفريق بين المعلومة الصحيحة و الأكاذيب و فضاعة الأكاذيب التي أضحت في زمن تسونامي معلوماتي صنعة و حرفة تتقنها دوائر سياسية و أيديولوجية كبرى في العالم بهدف السيطرة و التسيير و المزيد من الاحتكار من الأقوى للاضعف للاكثر ضعفا و ثلاثي السيطرة و التسيير و الاحتكارلم يعد مقصورا على الثروات الطبيعية من بترول و غاز و فسفاط و مياه و بذور و غيره بل أصبحت الذات الإنسانية في أدقّ خصوصياتها من تفكير و سلوك و نمط حياة و ذاكرة جمعية و فردية هي المستهدفة للسيطرة و التسيير و الاحتكار فالسيطرة على شعب و على وعيه و لاوعيّه و تسييره و توجيهه لاهداف معيّنة و في اغلب الأحيان تكون اهدافا خطيرة و قاتلة لشعوب انهكها الفقر و الاذلال و الجهل و الامية المتغوّلة طيلة قرون طويلة
اذا فبين مراقبة الانتخابات و التحوّل الديمقراطي للشعوب التي عرفت ثورات من اجل الديمقراطية و بين مهام الحقوقيين في هذه البلدان لمتابعة ظروف و ملابسات هذا التحول تطرح اليوم المهام الأكبر وهي مراقبة حياة و ظروف هذه الشعوب البسيطة و التي كانت تعيش في سلام و أمن لتجد نفسها اليوم في مهب تسونامي الدمقرطة و مساعدتها للخروج من تحت وابل الصواريخ و القنابل و المجاعات و الأوبئة كحال اليمن و سوريا و العراق و ليبيا …و في افضل الحالات أصبحت هذه الشعوب تحت خط الفقر كالشعب التونسي و المصري
فماهو الدور التاريخي الذي يفرض اليوم على الحقوقيين القيام به في ظلّ فوضى الحروب و الأوبئة و المجاعة التي أصبحت تعيشها هذه الشعوب؟
و هل لهذه المنظمات الحقوقية التي لعبت الدور القيادي في صياغة هذه الثورات أو كما تسمى بالرييع العربي أن ترافق أوجاع و آلام هذه الشعوب المدّمرة تماما باشتغالها على حلول ممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لشعوب بائسة و جاهلة وجدت نفسها في أتون حروب و مجاعات و آوبئة من حيث لا تدري ؟
و هل يكون تواصل المنظمات الحقوقية و المدونين و الجمعيات المدنية المنتصرة للحريات و الديمقراطية ان تتواصل مع مراكز القوى السياسية القيادية في العالم في أمريكا و اروبا و ذلك بالضغط السلمي لايقاف هذه الحروب و هذه المهالك اللانسانية القذرة في حق شعوب مسالمة و ضعيفة ان تقيها من الإبادة قطرة قطرة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا و الاشتغال على قانون لايقاف هذه المجازر و إعادة الاعمار لبلدان هدّمت و شعوب قتلت بدون ذنب …
و أنا كلّي يقين ان المنظمات الحقوقية في انحاء العالم و الحقوقيين الذين كانت لهم اليد الطولى في هذه الثورات الديمقراطية أن تكون لهم اليوم أيضا اليد الأطول لايقاف هذه المجازر و هذا التقتل و هذه الانتهاكات لابسط حقوق الانسان و هو حقه في الحياة بامن و سلام و حقه في الغذاء و حقه في الدواء و العلاج و حقه في التعليم
ان الدور التاريخي اليوم و الدور الإنساني و الذي سوف يحسب لكل الحقوقيين في انحاء العالم هو المساهمة الجريئة و الفعّالة في إعادة حق الحياة المحترمة و انقاذ حياة شعوب من القتل و الأوبئة و المجاعات في ظل صمت رهيب للقوى العالمية و مدّ يد المساعدة بإيجاد حلول عاجلة و المشاركة مع صنّاع القرار و الخروج بهذه الشعوب التي لم تعد تعيش تحت قهر الديكتاتوريات انما أصبحت تعيش تحت وابل القنابل و الصواريخ و الأوبئة و التشرّد في انحاء العالم و للحقوقيين الخبرة الكبيرة في ادارك ان أوضاع هذه الشعوب اليوم الواقعة تحت طائلة الحروب و الأوبئة و التشرد لا تهدد حياة هذه الشعوب فقط انما هي تهدد حياة كل شعوب العالم اجمع فالتقارب الجغرافي بين البشر اضحى اقرب و اسرع مما كان يتخيّل العقل البشري في القرون الوسطى فانتشار الوباء من بلد الى اخر لا يكلّف سوى بضعة دقائق فقط و كذلك انتشار الحروب و العقل البشري لا يطرح من المشاكل الا ما يقدر على حلّها و كلنا امل ان العقل الإنساني اليوم و تحديدا عقول تخبه قادرة على حل هذه المشاكل و الحقوقيون من عداد نخبة العقل البشري