ان مسألة الفساد من أكثر المسائل المطروحة اليوم في عوالم السياسة والاقتصاد والاعلام والقضاء وغيره بعد ثورات الربيع العربي او هذا أراد صنّاعه تسميّته.
ولم تُطرح هذه القضية الراهنة اليوم في بلدان الربيع العربي فقط بل في جلّ بلدان العالم تقريبا حتى أعرقها ديمقراطية وحرية.
و من هول الصخب الإعلامي حول هذه المسألة، تطلّ علينا من حين لآخر منظّمات و جمعيات و حتى افراد و شخصيات نافذة ارتبط اسمها بالثورات الديمقراطية و مناصرة الديمقراطية في بلدان الربيع العربي لتتابع و تتقصّى و تكشف و تفضح رؤوس الفساد و منابت الفساد في عدة بلدان في العالم.
فما هي مشروعية هذه المنظّمات والشخصيات “اللافاسدة” كما يتراء لها في المرآة والتي أُوكل لها عمليات المراقبة والمتابعة لأجل العقاب؟ خصوصا ان نشأة اغلبها كان تحضيرا لاندلاع الربيع العربي.
فهل مسألة الفساد ناشئة، أي مسألة حديثة لم تعرفها الدول والسياسات العالمية سابقا، ولا السياسيين ولا الاقتصاديين السابقين ولا الإعلاميين السابقين ولا القضاة السابقين…الذين حكموا العالم قبل 2011؟؟؟ أم ان المسألة المستحدثة -او هكذا تبدو…- او هكذا يريدون ان تبدو للعموم، لذلك استوجب احداث جمعيات ومنظّمات للاشتغال على هذه المسألة تستبق ضجيج ظهورها؟؟؟
فلماذا لم نسمع و لم نر منظّمات و جمعيات حقوقية تتناول بالدرس و النقد فساد مفاعل تشرنوبيل او فساد القنبلة الذرية و الحرب على هيروشيما و ناكا زاكي او الفساد السياسي و الاستراتيجي الذي صاحب دمار بلدان ناشئة في المشرق كالعراق في بداية هذا القرن أو الفساد الذي صاحب حرق الجزائر في أواخر القرن الماضي أو الفساد الذي دمّر أروبا الشرقية و قضى عليها او الفساد الذي دمّر الاتحاد السوفياتي أو الفساد الذي جعل من الصين غولا صناعيا منتجا للتلوث و اكوام البضائع المُسرطنة وأخيرا ارتبط اسم الصين بإنتاج الأوبئة كالسارس و الكورونا أخيرا؟؟؟
لماذا لم نسمع أصواتا حقوقية عالية حول تحويل افريقيا الى مصّب للنفايات الصينية من اكوام المنتوجات لا ترتقي الى الجودة والمحافظة على البيئة؟؟؟
ربما حينها لم تكن قد نشأت بعد، جمعيات ومنظمات “عالمية إنسانية” لمراقبة ومتابعة هذا الفساد؟؟؟ أم أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي المجانية اليوم في العقد الثاني من هذا القرن والذي يبدو أنه لن ينته على خير لجميع البشرية …
فهذه الوسائل الاتصالية الافتراضية الاجتماعية هي التي فتحت الباب للجميع لتُدلي بدلوها في جميع المجالات أم أن الفساد خرج عن السيطرة في هذه العشرية الثانية من هذا القرن 21 حتى اصبحت المسألة رقم واحد و القضية رقم واحد لكل الشعوب و لكل الحكومات في العالم أجمع، وأضحت ملفات الفساد في عهد الثورات و انتقالها الديمقراطي المزعوم تسكن حتى القطاعات الحيوية الحياتية كالكهرباء و الماء لنقول بفساد الدولة ووجوب ملاحقة فسادها عبر تدقيق حساباتها.
وهذا يحدث ليس في بلدان التحوّل الديمقراطي وحدها بل في جلّ بلدان العالم و هو الذي شرّع للمنظمات الحقوقية و الجمعيات المدنية لملاحقة رؤوس الفساد بفضح تضارب المصالح.
وفي كل هذه المعامع، ماذا يريد النشطاء ومن ورائهم من هذه المتابعات والملاحقات لرؤوس الفساد؟؟؟
و ليس معنى ذلك اننا ننتصر للفساد أو نعارض قيام جمهورية أفلاطون الخالدة بقدر ما هو تساؤل و مشروع عن الدور الذي يبدو مشروعا لهذه الجمعيات و المنظمات الحديثة النشأة و الظهور لمآرب ستتضح في نهاية هذا العقد.
فعندما يتبادر الى ذهننا دور “توكل كرمان” الحقوقية اليمنية في تتبع -حتى لا أقول ملاحقة- ما ينشر و ما يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي الفيسبوك لمنطقة شمال افريقيا و الشرق الأوسط، و معرفتنا للخلفية السياسية و الأيديولوجية لهذه الناشطة -خلفية غير محايدة- يعطينا فكرة واضحة و جليّة، وهذا بقدر ما يعطينا صورة أوضح عن الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية منذ نشأتها و عن خدماتها الجليلة لمناصرة الديمقراطيات “النظيفة” و الأيديولوجيات “النظيفة” …النظافة البديلة لفساد القرن الماضي.
و شخصيا لا اتصوّر جهل أصحاب الفيسبوك للخلفيات الأيديولوجية للسيدة توكل كرمان و بذلك يضيفون صورة ناصعة البياض للفيسبوك المحايد و الخدمات الجليلة التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي للفساد البديل فسادا اخر مغايرا لفساد القرن الماضي …فسادا و بالألوان على خلاف الفساد الأسود و الأبيض القديم، و الويل و كل الويل لشعوب مازالت موغلة في التخلف و لم تحسن بعد التعامل الجدي و العملي مع عصر الرقمنة …الرقمنة بما تعنيها آليات البرمجيات و تأمين المعطيات الخاصة و حسن تسويقها، مما يجعلها عرضة للاستهداف في بنية وعيها و لا وعيها و مستهدفة أيضا في رغيفها و صحتها…مستهدفة حقيقة حتى في وجودها.